لقاد شاع قديماً عند علماء عند اليونان أن المذنبات المتحركة في السماء ما هي إلا ظواهر ترتبط بجو الأرض ، فهي تمثل فوارات تتصاعد من جو الأرض، وما أن تصل إلى ارتفاعات عالية حتى تلتهب فتبدو على هذه الهيئة .أما رأي المنجمين في ظهورها، فيعتقد بأن له مفهوماً عقائدياً آخر يرتبط بسلوك الإنسان ومصيره ومستقبله فظهور المذنب في حسابهم هو نذير بالحرب والهزيمة والدمار والمرض، وغيرها من خزعبلات . لقد ظلت هذه المعتقدات والأوهام سائدة متغلغلة في نفوس الناس عبر القرون والحضارات المتعاقبة؛ حتى أواخر القرن السابع عشر عندما بدأت بالتبدد تدريجياً أمام الأفكار العلمية الجديدة التي انقشعت، وإن لم يكن ذلك كلياً. فما زالت هناك بعض الشعوب متمسكة بتلك المعتقدات إلى اليوم. وإذا ما تتبعنا التاريخ الفلكي الحديث لوجدنا أن أول من بحث في موضوع المذنبات Comet بأسلوب علمي في بداية عصر النهضة الأوربية هو الفلكي تايخو براهي T.Brahe (1607 - 1546 ( ولقد توصل من دراساته وأرصاده المتوالية التي أجراها للمذنبات التي ظهرت في 1571 و 1582 و 1585 و 1590 و 1593 و 15966 ؛ بأنه ليس لهذه الظاهرة أي علاقة بجو الأرض كما ادعى الأقدمون ، بل هي مجرد أجرام سماوية تتحرك وفق مدارات دائرية حول الشمس مثل كل الكواكب السيارة المعروفة ولقد تابع من بعده هذا الموضوع الفلكي جوهان كيبلر J.Kelper1571 - 1630 فما لبث أن أيد وجهة نظر أستاذه، لكنه اختلف عنه في تقدير مداراتها ، فافترض أن لها مدارات من القطع المكافئ .Parabola
وأيده دورفيل في ذلك على ضوء ما أجراه من دراسات لمذنب عام 1681. وعندما ظهر مذنب عام 1682 قام الفلكي البريطاني إدموند هالي (E.Halley (1656-1742 برصده ودراسته.وتمكن من الحصول على نتائج طيبة تتخلص في أن المذنبات لابد أن تكون عضواً في المجموعة الشمسية. وهي تتحرك في مدارات متباينة حول الشمس. وأكد أيضاً بأن ظهور هذا المذنب لم يكن لأول مرة، بل سبق ظهوره ذلك عدة مرات.
وتوصل هالي إلى أن مسارات المذنبات هي أقرب إلى القطع الناقص Ellipse منها إلى القطع المكافئ .وفي عام 1705 نشر هالي كتاباً أثبت فيه أن المذنبات ما هي إلا أجرام سماوية تنتمي إلى النظام الشمسي ومن خلال دراسة المذنبات التي ظهرت في الأعوام 1531 و 1607 و 1682 ذكر في كتابه أن المشاهدات الثلاث تلك تعود لمذنب واحد يدور حول الشمس مرة كل 76 سنة ولم يعش هالي طويلاً ليتأكد من نبوءته في ظهور المذنب مرة أخرى عام 1759 التي حدثت فعلاً في أعياد الميلاد عام 1758. ومنذ ذلك الحين قبلت أفكاره لهذه الظاهرة بدون جدل ، وفضلاً عن الكواكب والكويكبات التي تدور حول الشمس ، فهناك أعداد كبيرة من المذنبات التي تدور أيضا حولها في مدارات متباينة .
ونحن نعلم حالياً أن الجزء الصلب من المذنب يتكون من كتلة متجمدة من الغاز والثلج ، ويعادل قطر هذا الجزء نحو بضعة كيلو مترات ، ويتبع المذنب مداراً شديد الاستطالة بحيث ينقل معه من حين لآخر الخليط المتجمد إلى المناطق الداخلية من النظام الشمسي, وعندما تقترب الكتلة الجليدية من الشمس يبدأ الثلج بالتبخر، وتبدأ سحابة ضخمة من الغازات بالتشكل ، ويسبب الإشعاع الشمسـي توهج الغازات ، وتعمل الرياح الشمسية على دفع المادة المتوهجة بعيداً عن رأس المذنب مكونة ذنباً طويلاً لامعاً ، وإذا اقترب المذنب إلى حد كبير من الشمس فإن جزءاً كبيراً من الثلج عليه سوف يتبخر ، وإذا كان مداره يمر بالقرب من الأرض فسيمكننا رؤية الغاز المتوهج بيسـر ، وعندها سيكون المنظر مثيراً للرؤية ، ويتألق في السماء لليال عديدة وقد حدث ذلك جلياً في عام 1910 عندما مر مذنب هالي بين الأرض والشمس ، وبلغ طول ذنبه نحو عشـرات الملايين من الكيلومترات ، وأمكن حينها رؤيته جلياً بالعين المجردة أثناء النهار كما أمكن في أغسطس 1957رؤية مذنب ولعدة ليال متوالية ، وبعد عدة أسابيع اختفى ضوؤه من السماء عندما عاد إلى الأعماق الباردة في فضاء ما بين الكواكب .
ويبدو أن رصد المذنبات قد أصبح حدثاً شائعاً في أواخر القرن الثامن عشر ، ولقد سعى كل هاوٍ يمتلك منظاراً مناسباً في قضاء الساعات الطوال في مسح السماء، وبكثير من الصبر وقليل من الحظ من المحتمل أن يتمكن اكتشاف أعضاء جدد في مجموعتنا الشمسية .ومن المعروف أنه نتيجة لذلك فإن كثيراً من المذنبات تحمل أسماء مكتشفيها، وذلك تكريماً لإنجازاتهم المميزة.
تعبيراتتعبيرات