لمحة تاريخية هن علم الفلك



ما هو علم الفلك؟

فرع علمي يختص بدراسة كلّ شيء في الكون، باستثناء الأرض. كلمة يونانية مؤلفة من مقطعين هما : astronomy وكلمة
  وتعني  النجم Astro 
 وتعني القانونNomy

أما كلمة الفلك فكانت عند العرب تعني مدار النجم، وكان يطلق على علم الفلك لدى العرب أسماء عدة منها: علم
الهيئة/النجوم/التنجيم، بدون فصل بين علم الفلك والتنجيم، ونفس الأمر بالنسبة للمنجم، فهو الذي يشتغل بأحد العلمين
أو بكليهما فالمنجم نفسه الفلكي، ودليل ذلك قول المسعودي (توفي عام 956 م): "صناعة التنجيم هي جزء من"

النظريات الأولى في علم الفلك :

ساد هذا الاعتقاد بين اليونانيين والهندوسيين والصينيين، ومعظم الثـقافات القديمة، التي رأت أن عالم الأرض يختلف عن وماء ونار وهواء، أما في السماوات فهي مكونة من مواد أثيرية، الشمس والقمر والجوالات الخمسة، وجميعها تدور حول الأرض بمدارات دائرية تحديداً لأن أرسطو كان يرى بالدائرة الشكل الأمثل، وفي السماوات المثالية لا يمكن للكواكب إلا أن تتبع هذا النوع من الحركة، وكل كوكب يتخذ له مساراً ضمن قبة شفافة كبيرة تتثبت عليها النجوم.
صورة للعالم القديم، نرى فيها أن الأرض منبسطة، تحملها مجموعة من الحيتان الضخمة (لعل وجود الحيتان كي يعلل الهزات الأرضية، وليس لحركة الأرض، فمعظم الحضارات القديمة كانت تعتقد بثبات الأرض ودوران الأفلاك من حولها).
صورة أخرى للعالم وفق التصور القديم.. ولكن فيها تقدم ملموس. وهو جعل الأرض على شكل نصف كرة.(نعرف أن الشكل الكروي للأرض وللكواكب الأخرى كان مقبولاً، بل ومبرهناً عليه لدى اليونان. وسنرى قريباً الأدلة التي قدمها أرسطو على كروية الأرض).
هذه الصورة تستند أيضاً إلى رؤية اليونانيين للعالم. حيث كانوا يعتقدون أن عالم السماوات غير العالم الأرضي.ونرى فيها أن عالماً رحالة، قد وصل إلى تخوم العالم الأرضي ومد يده خارجاً. ونلاحظ الآلات والمحركات التي تسيـّـر العالم الأثيري خارج الأرض.
وقد كان عسيرا على المؤرخين إرجاع هذا العلم عند الإنسان إلى تاريخ محدد وان تم التوافق حسب قرائن عديدة على انه يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، وان كان في هذا التاريخ في صورة غير واضحة المعالم ، بل انه وبعد هذا التاريخ ظلت (الفجوات) فيه كبيرة ، ويستدل عليها بفقدان معلومات أساسية وأخرى يفترض وجودها وأنها ضاعت بفقدان المؤلفات التي تتضمنها ، مكتفية بإشارات عابرة أحيانا في الكتب المتأخرة أو المدونات الأخرى.
من المرجح أن أكثر الناس بدائية شاهدوا أشكالا مختلفة في السماء ولكن البدايات المسجلة عن الفلك ترجع إلى حوالي 3000 قبل الميلاد. وبالفعل كانت الأجرام السماوية تمثل أهمية عظمى للقبائل البدائية ، فقد كانت الشمس توفر لهم الحرارة والضوء بينما كان القمر ينير لياليهم.
وقد مكن كل من السلوك المنتظم للشمس في شروقها وغروبها، وأوجه القمر ،ومواضع الشمس بالنسبة للنجوم عبر الفصول المختلفة ، كل ذلك مكن الإنسان من تنظيم حياته . فليس من المستغرب إذن ، أن يكون القدماء قد تعاملوا مع الشمس والقمر.واعتقدوا أن النجوم هي مصابيح معلقة في نصف كرة عملاقة تمد تحتها الأرض المسطحة. أما ظواهر الكسوف والخسوف والمذنبات والشهب فقد كانت كلها آيات للآلهة المتحكمة في مقدرات البشرية.
إلى جانب ذلك وبينما تبدو النجوم ثابتة في مواقعها ، هناك أجراما تشبه النجوم تبدو متنقلة ببطء يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر ، هذه هي الكواكب أو (النجوم التائهة) كما سمها الأقدمون. لقد عرف وجود الكواكب السيارة منذ آلاف السنين ، خمسة منها عرفها المصريون والبابليون منذ نحو 5 آلاف سنه
وقاموا بإعطائها أسماء آلهتهم الأسطورية وهي (عطارد) رسول الإلهة المجنح، (الزهرة) إلهه الحب، (المريخ) اله الحرب ، (المشتري) ملك إلهه ، (زحل) والد المشتري.
لقد لاحظ الفلكيين القدماء مواقع هذه " النجوم التائهة " لكنهم لم يتوصلوا إلى معرفة تفاصيل حركتها.
كثير من الأفكار القديمة تبدو غريبة اليوم ، مثل الاعتقاد بان الأرض مسطحة تحملها أربعة أفيال ضخمة واقفة على ظهر سلحفاة عملاقة محمولة بواسطة ثعبان يطفو فوق محيط غير متناه
إن التسجيل المنظم للأحداث الفلكية يعود إلى الحضارات العظيمة الأولى خاصة تلك التي قامت في الصين والهند وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط، وهناك صعوبات كبيرة في تحليل القيود القديمة ، وهي غالبا مدونه على ألواح حجرية ،ولكن من المؤكد تقريبا أن الصينيين بنوا مزاول شمسية من نوع متطور، كما بنو – وذلك منذ أكثر من 5000 سنه تقويما من 356 يوما. واكتشفوا علاقات معينة مكنتهم من التنبؤ ببعض حالات الخسوف والكسوف . وحكي أن اثنين من فلكيي البلاط الصيني آنذاك وهما "هسي" و "هو" ، لم يوفقا في التنبؤ بكسوف للشمس فاعدما جزاء تعريضهما سلامة العالم للخطر.
توصلت حضارات قديمة أخرى غير الصينية إلى إنجازات فلكية عظيمة الأهمية، ولكن هذه المعارف تبخرت بزوال هذه الحضارات. غير أن الحضارتين المصرية والبابلية شذتا عن هذه القاعدة وانتقلت مهارتهما الفلكية إلى أمم أخرى. فقد أنجز البابليون قياسات دقيقة عديدة عن النجوم و الكواكب. ولم يكن ذلك من اجل " العلم" لذاته وفق المفهوم الحديث، بل للتنبؤ بإرادة الالهه وهي الشمس والقمر وكوكب الزهرة . وقد كان لهم باع طويل في علوم الرياضيات وطوروا نوعا من أنواع الجبر واستخدموا منظومة ستينية للإعداد (مؤسسة على العدد 60 ، كما تأسست منظومتنا العشرية على العدد 10.
أما الحضارة المصرية فتمت على ضفاف النيل حيث كانت تغيرات هذا النهر قضية حياة أو موت بالنسبة للسكان الأوائل. لقد كان التنبؤ بالفيضان السنوي يشكل أهمية عظمى، وتبين لهم أن التقويم القمري المستخدم آنذاك ليس بالدقة الكافية . لاحظ المصريون أن مجيء الفيضان يتطابق والزمن الذي يصبح فيه النجم " الشعرى اليمانية" مرئيا في سماء الفجر، فوضعوا تقويما دقيقا جدا يعتمد حركة هذا النجم. وكانت سنتهم عبارة عن 365 وربع اليوم ، رغم استخدامهم لتقويم مدني مدته 365 يوما ، مقسم إلى 12 شهر طول كل منها 30 يوما ، والأيام الخمسة الباقية " عطلة"
نقطة جديرة بالاهتمام ، وهي أن أحد ممرات هرم خوفو الأكبر كانت موجهه نحو القطب الشمالي كما كان آنذاك . ذلك أن محور الأرض يبادر أو يتحرك تراوحيا مثل دوامة تلف بشكل يجعل القطب الشمالي السماوي (أي النقطة في السماء التي تقع مباشرة فوق القطب الشمالي للأرض) يرسم دائرة في السماء خلال دورة طولها 26000 سنه. وتعرف النجمة التي يصادف وجودها قريبا من القطب السماوي " بالنجم القطبي" وكان الممر المذكور للهرم الأكبر موجها نحو النجمة " الثعبان" الواقعة في كوكبة " التنين" والتي كانت حقيقة النجم القطبي منذ 4500 سنه.
ومع ذلك فقد تعامل المصريون مع مشاهداتهم الفلكية من حيث ولاءمتها العلمية فحسب، ولم يقدموا إلا " قليلا" أو لا شيء في مجال الفلك النظري. ويحق القول أن الأفكار الثورية في علم الفلك كان عليها أن تنتظر مجيء الإغريق.

كانت رؤية أرسطو للكون منظمة جدا، لكنها كانت تفتقد للدقة.

الصينيون القدماء غير المتأثرين بكتابات أرسطو، سجلوا تغييرات في السماء كثيرة، شاهدوها، مذنبات أو النجوم
الزائرة (الانفجاريات النجمية). والغربيين بالتّأكيد رأوا مثل هذه الأشياء أيضًا, لكنهم لم يكونوا ليعارضوا أفكار الرجال
العظماء (كان اليونانيون بتأثير من أرسطو وغيره.. قد أكدوا أن السماوات كاملة.. ولا يمكن لشيء أن يشوّه كمالها)
مثال :

انفجار المتجدد الجبار في عام 1054 ، ظل المتجدد الجبار واضحاً في منتصف النهار لـ 23 يوم متتالية، وظل يشاهد في السماء لأكثر من سنتين، وقد ذكره الصينيون في أقصى الشرق.. وحتى الهنود جنوب أمريكا، إلا أن الأوروبيين لم يذكروه، فقط لأن الكنيسة قررت أن السماوات كاملة وأرسطو لم يذكر أي شيء عن انفجار يشوّه السماء, إلا أن هذا لم يستمر طويلا.

بعض الكواكب بالنسبة للراصد القديم لم تكن " أنيقة" في حركتها  

المريخ، المشتري، وزحل، كانت حركتها محيرة، حيث تبدو بحركة متقدمة بالنسبة لخلفية النجوم، ولكنها فجأة تعكس حركتها للخلف، وبعد فترة تعاود التقدم، نحن نعرف اليوم سبب هذه الحركة الظاهرية للكواكب الخارجية.
تفسير الحركة التقهقرية "الظاهرية" بسيط، كما نرى في هذه الصورة، فقط نحتاج أن نستبدل مركزية الأرض، بمركزية الشمس.
النظام السماوي المعقد لكلوديوس بطليموس (100-170 م) .
في كتابه المجسطي، والذي ضمنه أكثر الأعمال الفلكية اليونانية الأولى، وضع بطليموس منظومة كونية تحتل الأرض مركزها، وتدور حولها سبع كرات هي: القمر والشمس والكواكب الخمسة المعروفة آنذاك " عطارد- الزهرة- المريخ المشتري- زحل " .-
وكانت كرة الثابتات تحمل النجوم التي تبدو ثابتة المواقع بالنسبة لبعضها وتتحرك معاً وكأنها جسم
واحد، أما ما وراء هذه الكرة فهو غير قابل للرصد من قبل البشر! أما الحركة التقهقرية للكواكب فقد فسرها بطليوس باستخدام دوائر التدوير (وهي فكرة كان قد طرحها هبارخوس قبله بـ 200 سنة.)..
نرى في هذه الصورة نموذج بطليموس للكون، مع توضيح فكرة دوائر التدوير التي اعتمدها كي يفسـّـر الحركة التقهقرية، بحيث نرى أن المشتري وهو كوكب خارجي (في يسار الصورة) يتبع مساراً دائرياً، لكن مركز هذا المدار يدور على مدار دائري حول الأرض.

اليونانيون وعلم الفلك:


ثيلز (640 – 545 ق.م) :

نقل الهندسة والمساحة عن مصر القديمة وحدد مسار الشمس السنوي في السماء، ومواقع الشمس عليه في الفصول
المختلفة، كذلك عرف طول السنة الشمسية.

آنا كسيما ندار (611 – 547 ق.م):

حدد المواقع النسبية للشمس والقمر والأرض وبقية أفراد المجموعة الشمسية المعروفة آنذاك فيثاغورس (560 - 497 ق.م):
أول من حاول تفسير حركات الكواكب بعلاقات عددية بسيطة، وقد آمن فيثاغورس وأتباع مدرسته بكروية الأرض وباقي الأجسام السماوية السبعة، وقد صور فيثاغورس الكون على أنه عدة كرات متمركزة مع بعضها ويحمل كل منها جسما ً من الأجسام السماوية، وبحركة هذه الكرات تتحرك الأجسام هذه بالنسبة لبعضها، وتدور هذه الكرات حول مركزها المشترك الذي هو الأرض.

فيلولاوس (القرن الخامس قبل الميلاد):

من أبرز أتباع مدرسة فيثاغورس، وكان أول من طرح فكرة حركة الأرض، فقال بأنها تتبع مساراً دائرياً كل يوم وتبقي دوماً الوجه نفسه نحو المركز، ولم يضع الأرض في مركز الكون! ولا حتى الشمس! بل وضع ناراً مركزية تدور حولها الأرض والشمس والقمر والكواكب الخمسة وقبة النجوم، وبما أن الفيثاغورسيين كانوا يبجلون الرقم 10 فقد أضاف فيلولاوس جسماً متحركاً عاشراً كان هذا الجسم هو الأرض المواجهة والتي تتحرك دوماً لتبقى بين النار المركزية وأرضنا الدوارة فتحميها من التعرض المباشر للنار.

إيدكسوس (408 – 355 ق.م) :

طور نظام فيثاغورس بافتراضه أن كل كرة في الواقع لها محور يستند على الكرة التي تحيط بها، وهكذا بتحديد سرعة تلك الكرات تمكن بشكل دقيق من إعادة تمثيل حركات الأجسام في القبة السماوية.

أرسطو (384 - 322 ق.م):

أبرز تلامذة أفلاطون، والذي سيطرت فلسفته على تفكير الإنسان لمدة ألفي عام، فالأرض كما كان يعتقد ثابتة
والكواكب الأخرى تدور حولها وفق أفلاك دائرية، فالدائرة هي الشكل الأكثر كمالاً لذا يجب على الجوالات السماوية أن تتحرك وفقاً لها،ومن تفسيره للسلوك الحركي: أن الجسم لا يستمر بالحركة إلا ببقائه على تماس مباشر مع محرك فاعل باستمرار وإلا فإن الجسم يتوقف، وقد كان هذا الفاعل في حالة الكواكب ملائكة مسخرة تخفق بأجنحتها من خلف
الكوكب وقدم أرسطو دليلين متينين على كروية الأرض، أولهما: تغير موقع نجم القطب من كبد السماء لناظر من الشمال إلى حدود الأفق للناظر من الجنوب، وثانيهما خسوف القمر أي وقوع الأرض بينه وبين الشمس والظل الدائري الذي تلقيه الأرض دائماً على صفحة القمر، فلو كانت الأرض قرصاً دائرياً لاتخذ ظلها على القمر شكلاً إهليلجياً وهذا ما لم يلاحظ، مما يدل على أن الأرض كروية.

أريستارخوس الساموزي (310 – 230 ق.م):

الذي عرف بالرياضي، كان أول من حاول قياس بعد الشمس والقمر عن الأرض، وقدر حجميهما النسبيين وتوصل إلى
اقتراح نظام مركزية الشمس، لكن هذا النموذج لقي اعتراضات عدة منها أن حركة الأرض تستوجب تغيرات في مواضع النجوم المرئية، فاقترح أرسطرخوس بجرأة أن هذه النجوم أبعد بكثير مما اعتقدوا. وفي حين يعيد الكثير من الناس اليوم فكرة مركزية الشمس إلى كوبيرنيكوس إلا أن أريستارخوس كان قد طرحها قبل ذلك بثمانية عشر قرناً، أما لماذا أهمل ذكر أريستارخوس والكتب التي ألفها (ويقال أنها تزيد عن 70 مجلد تناقش مواضيع علمية) فلأن هذه الأعمال قد تعرضت للإتلاف المتعمد من قبل أفلاطون صاحب الجمهورية والنظرية الفاضلة!! وبعض العلماء اليوم يقولون أنه لو بقيت مؤلفات أريستارخوس ربما كانت سوية التطور العلمي في وقتنا الحالي موازية لما ستكون عليه في القرن الثاني أو الثالث والعشرين.

أرخميدس (287 – 212 ق.م):

الرياضي والمخترع والذي عرف باكتشافه لمبدأ الطفو، كان أول من أنجز نموذج للبلانيتاريوم، بالإضافة إلى الشعيرات المحكمة التي يزود بها المنظار، والتي استفاد منها في إجراء أرصاد سماوية دقيقة.

كلوديوس بطليموس (100 – 170م):

صاحب كتاب المجسطي والذي ضمنه أكثر الأعمال الفلكية اليونانية الأولى، وقد أنجز بطليموس منظومة كونية تحتل الأرض مركزها (رأينا صورتها في الأعلى)، وتدور حولها سبع كرات هي: القمر والشمس والكواكب الخمسة المعروفة آنذاك " عطارد- الزهرة- المريخ- المشتري- زحل " وكانت كرة الثابتات تحمل النجوم التي تبدو ثابتة المواقع بالنسبة لبعضها وتتحرك معاً وكأنها جسم واحد، أما ما وراء هذه الكرة فهو غير قابل للرصد من قبل البشر.!
وقد تبنت الكنيسة آنذاك هذه الأفكار التي رأت فيها صورة تتفق مع الكتاب المقدس، حيث رصدت مكاناً وراء كرة
الثابتات لتتسع للفردوس وجهنم، ومع تصلب المجتمع والكنيسة في مواجهة كل من يخالف هذه الأفكار التي غدت
معتقدات، توقف علم الفلك عن التقدم، ولم يجرؤ أحد خلال ثلاثة عشر قرناً من طرح مقولات جديدة، حتى جاء
كوبيرنيكوس ومن بعده تيخو براهي وكبلر وغاليليو ومن ثم نيوتن ليبدأ العصر الحديث لا في الفلك فحسب بل في جميع فروع العلم.
في القرن السادس عشر، رجل بولندي بدأ ثورة غيرت العالم.
بقي العالم لقرابة 14 قرن قانع بنظام ودوائر تدوير بطليموس، إلى أن جاء نيكولاس كوبيرنيكوس (1473-1543) والذي لاحظ ببصيرة ومهارة رياضية ورصدية أن تعقيد نظام بطليموس والحاجة لأفلاك التدوير (Epicycle's) يمكن التخلص منه إذا أجرينا تغييراً بسيطاً فجعلنا الشمس مركز النظام الكوني.. وكان بالحق تغييراً بسيطاً وعظيماً مع أن كوبيرنيكوس وقع بذات خطأ بطليموس حينما تشبث بفكرة المدارات الدائرية، فاحتاج مرة أخرى إلى دوائر التدوير، ولكنه أزال الكثير من التعقيد وقام بإنجازات مهمة جداً كحساب أبعاد الكواكب عن الشمس و..
قدم غاليليو، عالم الفلك الإيطالي، براهين أخرى على عيوب نظرية أرسطو، وقدم أدلة على النظرية الجديدة،
وإسهامات كبيرة لعلم الفلك:
في عام 1609 غير غاليليو وجه علم الفلك مرة واحدة وإلى الأبد عندما وجه أول تلسكوب إلى السماء، من علم يعتمد على العين المجردة وبعض الأدوات البسيطة (كذات الربع وذات السدس ومسطرة زاوية اختلاف المنظر وغيرها من الأدوات التي استخدمها تيخو براهي في أرصاده) إلى علم رصدي دقيق، ومن خلال منظاره قام غاليليو بأرصاد عدة استنتج منها ملاحظات ثورية! فقد رأى سطح القمر مليئاً بالحفر والتضاريس، أي أنه ليس أملساً منتظماً كما كان يُظن، الشيء الذي يُبطل فكرة كمال الأجرام السماوية، وشاهد أقماراً أربعة حول المشتري وتسمى اليوم الأقمار الغاليليانية: آيو، أوروبا، غاينيميد، وكاليستو،ورأى فيها تأييداً لنظرية كوبيرنيكوس، كما رصد غاليليو أطوار الزهرة، ورأى انتفاخين على سطح زحل فافترض أنهما أقمار أيضاً وذلك لأن منظاره لم يكن من القوة ليسمح له بتمييز حلقات زحل الضخمة، وقد فسر غاليليو العدد الكبير من النقاط المضيئة والمنفصلة التي رصدها في درب التبانة بأنها نجوم بعيدة جداً، و كان أول من أشار إلى البقع الشمسية يقول غاليليو ساخراً من أدعياء مركزية الأرض إن من يفضل فكرة تحرك الكون بأسره كي تبقى الأرض ثابتة، لهو أكثر بعداً عن العقل ممن يتسلق قمة قبة ليلقي نظرة على ضواحي المدينة، ثم يطلب تدوير المنطقة بأسرها كي لا يكلف نفسه عناء تدوير رأسه.
ويقول كارل ساغان، حول ذات الفكرة:
بغض النظر عن كم ملك أو بابا أو فيلسوف أو عالم أو شاعر قد أصر على العكس، فقد واصلت الأرض بعناد، خلال تلك الألفيات، دورنها حول الشمس.

 تغيير مهم قام به عالم ألماني هو يوهانس كبلر

استفاد كبلر (1571-1630) من عمله مع راصد دانمركي مجد (تيخو براهي) قبل موت الأخير بسنة واحدة، وبعد جهد متواصل دام ست سنوات و حسابات ملأت 900 صفحة من أجل المريخ وحده (حيث لاحظ كبلر اختلافاً بين أرصاد براهي ومدار المريخ الدائري المفترض)، وانطلاقاً من نظرية كوبيرنيكوس اكتشف كبلر ثلاثة قوانين في الحركات السماوية نختصرها كما يلي:
تدور الكواكب حول الشمس بمدارات بيضاوية
ويمسح الخط الواصل بين الشمس والكوكب مساحات متساوية خلال أزمنة متساوية  وأن نسبة مربع سنة الكوكب على مكعب بعده عن الشمس مقدار ثابت مع أن كبلر قد غيّر  فكرة المدارات الدائرية إلى البيضوية، إلا أنه لم يكن يحبها، وأكثر من ذلك لم يكن يفهم لماذا تتبع الكواكب هذه المدارات؟ الجواب كان عند نيوتن الذي ولد في سنة وفاة غاليليو (1642)، حيث وضع قوانين الحركة الثلاثة، وقانون الجاذبية وأسس فرعاً جديداً من الرياضيات هو التفاضل.. حيث طبّق نيوتن في كتابه "المبادئ الرياضية لفلس الكواكب حول الشمس، والأقمار حول كواكبها، وحسب كتل الكواكب والشمس بالنسبة لكتلة الأرض، وقدر كتلة الأرض في حدود خطأ من رتبة عشرة بالمائة من القيمة الحقيقة، وبين أن الأرض مسطحة في القطبين، وقدر بدقة معقولة مقدار هذه التسطح، وناقش تغير الثقالة على سطح الأرض، كما حسب عدم الانتظام في حركة القمر نتيجة جذب الشمس له، ودرس مدارات المذنبات، كما قدم تفسيراً منطقياً للجزر وللمد.. ولعل ضربة البصيرة الأكثر توفيقاً لنيوتن تجلّت بإثباته لأن القوانين التي تسود الكون هي نفسها التي تحكم الأرض، وأيضاً أن العقل البشري قادر على استيعاب هذه القوانين أي أن نيوتن عندما قال في كتابه: إنني الآن أعرض نظام العالم كان بالفعل أول بشري يفعل ذلك. "الفلسفة الطبيعية" (والذي مازال يعد أعظم كتاب أنجزه رجل بمفرده في تاريخ العلم) نظريته في الثقالة على حركة.

في مطلع القرن العشرين، خطوة أخرى في إطار فهم الكون، يقوم بها آينشتاين:

يقدم آينشتاين في عمله فيزياء أعلى مستوى من فيزياء نيوتن، فيبين في نسبيته الخاصة أن قوانين نيوتن والتي
كانت تعمل بشكل جيد مع السرعات البطيئة والتي نشهدها في حياتنا اليومية، تغدو قاصرة أثناء التعامل مع الظواهر التي تقترب سرعة الأجسام فيها من سرعة الضوء، ووضع آينشتاين مبدأيه الشهيرين في النسبية الخاصة، والذي يقول أولهما: ستبقى قوانين الفيزياء نفسها ضمن مرجع مقارنة متحرك غير متسارع، أي بتعبير آخر: إن الأحداث التي تجري داخل مركبة متحركة غير متسارعة لن تتأثر بحركة هذه المركبة، أما المبدأ الثاني فيقول: إن سرعة الضوء مستقلة عن حركة مصدره، أي أن سرعة الضوء ستأخذ القيمة نفسها بالنسبة لأي راصد سواء كان مقترباً أو مبتعداً عن الضوء بأية سرعة وإن الأخذ بالمبدأين معاً سيؤدي إلى أفكار ثورية بخصوص حدية سرعة الضوء وتباطؤ الزمن وتقلص الأطوال والبناء الرباعي للفضاء و... أما أولى النتائج فهي التخلي عن فكرة وجود الأثير هذا الذي شكـّـل معضلة القرن التاسع عشر.


إدوين باول هابل (1889-1953) أعظم فلكيي القرن العشرين:

لقد وسّع هبل الكون كما لم يفعل ذلك أحد قبله، بل وسّع من فهم الإنسان لهذا الكون، فبالإضافة إلى منجزاته العديدة
في تصنيف المجرات وابتكار طرق قياس أبعاد الأجسام الكونية، فقد كشف أن مجرتنا ما هي إلا واحدة من آلاف ملايين المجرات الأخرى، التي تبتعد عن بعضها بسرع تتناسب وبعدها عن بعضها، ونص اكتشافه ذلك بقانون يعرف باسمه، كما قدّمت أرصاده العديدة تأكيداً جديداً لفكرة نيوتن بأن القوانين التي تحكم أرضنا هي ذات القوانين التي تحكم كافة أرجاء الكون الفسيح.
وبدأ كبلر العمل على مشاهدته لا يجاد تفسير لحركة الكواكب. واستنج بعد سنوات أن كل ذلك يمكن تفسيره إذا فرضنا أن الشمس هي المركز وان الكواكب تدور حولها في مدارات ليست دائرية، ولكنها على شكل قطع ناقص . بمعنى أن المسافة بين الشمس والكواكب تتغير وفق نقط المدار . وهكذا لم يحقق " كبلر" نظرية مركزية الشمس فقط ، بل هدم المفهوم الأسطوري بان للدائرة معنى كونيا.
وقد وضع "كبلر" قوانين أساسية ثلاثة لحركة الكواكب:
1 – تتحرك الكواكب حول الشمس في منحنيات "قطع ناقصية" أو أفلاك إهليجية وتقع الشمس في إحدى بؤرتي الإهليج.
2 – يرسم المستقيم " متجه نصف القطر" الواصل بين الشمس والكوكب السيّار مسافات متساوية في فترات زمنية متساوية، لذلك يتحرك الكوكب بشكل أسرع حينما يكون قريب من الشمس (نقطة الرأس) ويكون بطيئا عندما يكون بعيدا (نقطة الذنب.)
3 – يتوقف مربع الدورة الفلكية على مكعب المسافة بين الكوكب والشمس . وهذا يعني إذا كان بعد أحد الكواكب السيارة معروفا يصبح بالإمكان حساب أبعاد الكواكب الأخرى، إذا كنا نعرف مدة دورتها الفلكية





تعبيراتتعبيرات