عناقيد النجوم

تجمعات النجوم


عناقيد النجوم أو التجمعات النجمية هي من بين الأشياء الأكثر إثارة في السماء، فبعيدا عن أضواء المدينة وفي ليلة مظلمة يمكن بالعين المجردة أن ترى تلك التجمعات وقد بدت وانها تجمعت فيما بينها هنا وهناك في شكل رائع ومبهر للناظرين، هم فيما يبدو لنا مجتمعين بالقرب من بعضهم البعض، نعم هم كذلك اجتمعوا فيما بينهم في تكتل واحد، وأتخذ كل تكتل منهم صفاته ومميزاته الخاصة به من شكل ومكونات وعدد النجوم الذي يحتويه، ولكن لا ننسى اننا نتابع فضاء فسيح ويفصل بين كل نجم واخر سنوات ضوئية ومسافات شاسعة قد تصل إلى الاف السنين الضوئية.

العديد من النجوم سواء في مجرتنا أو في المجرات الاخرى المنتشرة في الكون هي جزء من نظم نجمية متعددة، فمنهم من هو جزء من نظام ثنائي حيث يدور نجمين حول مركز جاذبية مشترك، وهناك عدد آخر يكون من منظومة ثلاثية النجوم أو رباعية. وهناك بعض النجوم هي أيضا جزء من مجموعة أكبر وتتجمع معا في تجمعات تعرف بإسم عناقيد النجوم. وتلك العناقيد النجمية تختلف كل منها اختلافا كبيرا في الحجم والشكل وكذلك في محتواها من عدد النجوم، كما إنها تختلف أيضا في أعمار محتواها من النجوم  من مجرد آلاف السنين إلى مليارات السنين.

ويمكن تعريف التجمع النجمي بأنه مجموعة من نجمين أو أكثر تجمعت معا عن طريق التجاذب المتبادل، وتشبه بعضها البعض في بعض الخصائص التي تشير إلى أصل مشترك للمجموعة، وعادة تتحرك النجوم في التجمع الواحد بنفس المعدل وفي نفس الاتجاه.

وقد صنف العلماء التجمعات النجمية إلى تصنفين رئيسيين، طبقا للشكل العام للتجمع وعدد ما يحتويه من النجوم داخله وتركيب محتويات ذلك التجمع بلإضافة إلى موقعه في المجرة وهما :-

 - التجمعات الكروية
 - التجمعات المفتوحة أو التجمع المجري

وهناك نوع أخر يشبه التجمع المفتوح ولكنه أقل تماسكا منه وينتشر في أطراف المجرة ويطلق عليه الترابط النجمي، وهناك تقسيم فرعي أخر يسمى التجمع الثنائي أو المتعدد للتجمعات الصغيرة من نجمين أو ثلاثة.

نشأة التجمع النجمي

عامة تعتبر السحب الكونية أو ما يطلق عليها السدم هي موطن ولادة النجوم، لذا فهي تعتبر مصنع النجوم في الكون بما فيها من غازات وجزيئات حيث أن بعض تلك السدم تحوي مواد تعادل كتلتها المئات أو الألاف من الكتل الشمسية، وهذا يعني أنها تتشكل في مجموعات أو عناقيد، فبعدما يتم تسخين الغاز وتتجمع كتل الجزيئات تبدأ عملية الولادة وتتجمع النجوم معا عن طريق الجاذبية.

وخلال عملية تبادل الطاقة بين تلك النجوم الناشئة، فإن بعضها تكتسب سرعة هروب من التجمع الناشئ Protocluster وتفلت منه وتصبح نجوم حرة مستقلة، وتتجمع البقية من النجوم بقوة الجذب بينها، متخذه مدارات وتدور حول بعضها البعض إلى الأبد.

وعندما يكون التجمع ناشئ تكون المع نجومه من التصنيف النجمي  O و B و A . ويطلق عليها التجمعات المفتوحة بسبب تبعثر وإنتشار النجوم داخل الغيمة، وعادة ما يحوي هذا التجمع بين 100 و 1,000 نجم. أما التجمعات الأقدم فهي التجمعات الكروية وتحتوي كل واحدة منها على أكثر من 10,000 إلى الملايين من النجوم، وتبدو مدمجة ومضغوطة للغاية وبها أقدم النجوم في الكون.

ولو عدنا إلى الوراء وبعد الإنفجار العظيم حين تشكلت المادة وتجمعت مشكلة تجمعات من النجوم والتي تجمعت سويا مكونة المجرات، وتمركزت تلك الحشود في البداية لتكون بمثابة قلب المجرة وأخذت في التطور على مر ملايين السنين، ولكن حقيقة أن التجمعات الغنية بالمعدن الموجودة بالقرب من نواة المجرة في حين أن التكتلات الفقيرة من المعدن تتواجد في الهالة أو أطراف المجرة الخارجية قد تشير تلك الحقيقة إلى وجود توزيع غير منتظم من العناصر في جميع أنحاء كتلتها البدائية. ومع ذلك فهناك أدلة على وجود حالات من الإفتراس بين المجرات، والذي يحدث فيها عملية دمج المجرات الأصغر مع الأكبر حجما التي ربما يختلفوا فيما بينهم في الخصائص والمكونات. والذي قد يؤدى ذلك إلى تعقيد الصورة من حيث تطورها الكيميائي، فمثلا في حالة التجمع الكروي أوميغا سنتوري يوحي بأن هذا الدمج قد يحدث على نطاق أصغر، فنجوم هذا التجمع غير متشابهة وغير عادية، وربما فريدة من نوعها، من خلال وجود مجموعة متنوعة من التراكيب الكيميائية، كما لو أنها جاءت من أكثر من تكتل واحد في وقت سابق.

الإندماج بين التجمعات النجمية



طبقا للدراسات الحديثة لبعض نماذج التجمعات النجمية، فإن السدم العملاقة والتي أتت منها العناقيد النجمية تنقسم أو تتجزء لاحقا لتجمعات أصغر وتنتشر في الفضاء وخلال الزمن يحدث إندماجات بين تلك العناقيد مكونة تجمعات أكبر، فلذلك يتابع العلماء هذه النجوم المنفلتة ودراستها لتطوير نماذج حاسوبية دقيقة لتطور العنقود خلال عمره.


ومن الممكن أن يعاد النظر في كون أن العنقود الواحد متجانس التركيب من أعمار ومكونات أعضاءه هي سمة عامة لكافة العناقيد، ولكن وجود حالات عملية من الإندماج بين التجمعات النجمية يجعل من وجود تجمعات نجمية غير متناسقة التركيب من حيث أعمار ومكونات أعضاءه أمر وارد وحتمي.

فقد تبين للعلماء بعد دراسة صور من تلسكوب هابل الفضائي للحظات الأولى من إصطدام بين عنقودين نجمين. هذا الإندماج يحدث بين تجمع نجمي في سديم Tarantula Nebula وعمره حوالي 25 مليون سنة والذي يبعد حوالي 170,000 سنة ضوئية عن الأرض.

وهو سديم داخل غيمة ماجلان الكبرى Large Magellanic Cloud . ويعتقد العلماء بأنه سيستغرق حوالي ثلاثة ملايين سنة ليتكمل. العنقود الأكبر يحتوي على حوالي 52,000 نجم، التف بشكل كبير وجذب عنقود أصغر مجهول ويحتوي تقريبا على عشرة آلاف نجم.

وقد صادف فريق من العلماء هذا الإكتشاف بينما كانوا يجرون مسحا عن النجوم العملاقة والتي تفلت من تجمعات نشأتهم بسرعات في حدود 100,000 كيلومتر بالساعة، وقد ركزا على هذا السديم لشهرته بإحتواءه لمثل تلك النجوم الشاردة حيث يعتقد العلماء أن عمليات الدمج تولد تفاعلات جذبية تؤدي إلى وصول بعض النجوم إلى تلك السرعات العالية.


التجمعات في المجرات الحلزونية

التجمعات المفتوحة الناشئة وتوابعها تحتل منطقة في الفضاء كسحابة من الهيدروجين المتأين (السدم الغازية) تساعد على تحديد مجال وشكل الأذرع الحلزونية. تلك المناطق التي يتركز بها ذلك التصنيف من التجمعات النجمية مرتبط دائما بوجود أذرع للمجرة من بدايته على أطراف الجزء الداخلي الساطع من المجرة وحتى نهاية الذراع. أما التجمعات الأقدم عمرا والتي لا تظهر أي ترابط مع الأذرع الحلزونية حيث أنه وخلال السنوات التي انقضت من عمرها إنتقلت بعيدا عن مكان ولادتهم لتصبح في مكان أخر داخل المجرة، فبينما تشكلت التجمعات النجمية المفتوحة وقدمت نجوم جديدة للأذرع الحلزونية، ظلت الحشود الكروية دون تغيير جوهري باستثناء اختلافات تطورها خلال الزمن. فهي تجمعات ضخمة جدا بحيث لا يمكن أن تتأثر كثيرا بقوى المد والجزر للمجرة، ولكن على الرغم من ذلك فأن أبعادها تحدد من خلال تلك القوى عند اقترابهم من مركز المجرة. والمثير للإعجاب فضلا عن أن وجودها منفردا، فإن كتلتها الكلية قد تبلغ حوالي عشرة مليون شمس، هذه الكتلة تعتبر صغيرة بالمقارنة مع كتلة المجرة ككل (حوالي 1 إلى 10,000). ووجودها يعنى ان المجرة في مرحلة مبكرة للغاية من عمرها.

التجمعات النجمية في مجرتنا

انتشرت تجمعات النجوم في مجرتنا درب التبانة في الماضي، ظهرت أولا عندما تشكلت مجرتنا، لربما آلاف العناقيد جابت مجرتنا. اما اليوم فما تبقى منها هو في حدود أقل من 200 تجمع فقط ، العديد من تجمعات النجوم تحطمت أو تلاشت على مدار الحقب المتوالية بالمواجهات المشؤومة المتكررة مع بعضهم البعض أو تحت تأثير مركز المجرة، أما الآثار الباقية على قيد الحياة فهي أقدم من العصور المتحجرة للأرض واقدم من أية تراكيب أخرى في مجرتنا.

فإذا تمكنا من رؤية مجرتنا من خارجها فستبدو مثل مروحة حلزونية عملاقة مضيئة، مع أكثر من 150 تجمع كروي ينتشر حولها. الجزء الغني من أذرعها الحلزونية سيبدو مزين بالعشرات من التجمعات النجمية المفتوحة. وإن حالفنا الحظ لمتابعة دوران المجرة حول نفسها في فيلم يعبر بنا الزمن، فإننا سنرى التجمعات الكروية الهائلة تدور حول مركز المجرة في مدارات بيضاوية بفترات من مئات الملايين من السنين. اما التجمعات المفتوحة وتوابعها سنرى نشأتها من تكتلات من المادة والغاز التي تتواجد على شكل سحب أو غيوم والمنتشرة في الأذرع الحلزونية، تظهر وتبدأ دورة حياتها وتتشتت تدريجيا، ومن ثم تتلاشى.

التجمعات النجمية في المجرات الأخرى

لم يكتفي العلماء بدراسة التجمعات في مجرتنا فحسب، بل تجاوزوها إلى المجرات الأخرى خارج مجرتنا ولا سيما المجرات التي تقع داخل التجمع المجرى المحلي. فتمت دراسة واكتشاف تجمعات نجمية في المجرات الجوار، ولكن تصنيفها في هكذا حالة من البعد الهائل حيث المسافات الشاسعة بين المجرات يجعله أمرا صعبا، ومع ذلك تم انجاز دراسات على ألوان الطيف الواردة إلينا من التكتل بأكمله لعدد قليل نسبيا منهم. فقد تم إكتشاف مئات من التكتلات في أقرب المجرات إلينا وهي المجرتين القزمتين غيمة ماجلان الكبرى والصغرى Magellanic Clouds ، ومجرة اندروميدا.

التجمعات في مجرتي ماجلان

تشير التقديرات إلى أن مجرة سحابة ماجلان الصغرى، والتي تبعد عنا مسافة 200,000 سنة ضوئية، تحتوي على حوالي 2,000 تجمع مفتوح. وفي مجرة سحابة ماجلان الكبرى، والتي تقع على مسافة 163,000 سنة ضوئية، تحتوى على ما يقدر بـ 4,200 تجمع. معظمهما من التجمعات النجمية المفتوحة الناشئة مثل NGC 330 و NGC 1866. بعض تلك التجمعات المفتوحة تحتوي على نجوم نابضة وهي في التركيب الكيميائي مماثلة للتركيب العام لمجرتنا ولكن ليس بالشكل الكامل للتماثل.

أما التجمعات الكروية فإنها تقسم إلى مجموعتين متميزتين. المجموعة الأولى، وهي الحمراء، وفيه خلل كبير في نسب المعدن ومماثلة للتجمعات الكروية في مجرتنا، ومشهورة بإحتوائها على بعض نجوم النابضة الدورية Lyrae RR. والمجموعة الثانية منها فهي كبيرة ودائرية الشكل، مع زرقة في اللون أكثر بكثير من التجمعات الكروية العادية لمجرتنا، وأعمارها من حوالي مليون إلى مليار سنة، وهي تشبه التجمعات المفتوحة في نفس السحابة ولكن بكثافة نجوم أكثر.

التجمعات في مجرة اندروميدا

في المجرة المجاورة لنا اندروميدا (M31) تم التعرف على حوالي 400 تجمع نجمي كروي، بينت الدراسات من بعض هذه التجمعات أنهم لديهم محتوى من المعادن أعلى من الحشود الكروية من المجرة، وما يقرب من نصف عددهم تقع على مسافة 80,000 سنة ضوئية من مركز المجرة. وأغنى تكتل في تلك المجرة هو التجمع NGC 206 بكتلة تقدر بحوالي 200,000 شمس، كما تم العثور على بعض الحشود الكروية حول المجرتين القزمتين التابعتين لأندروميدا وهما مجرة NGC 185 ومجرة NGC 205.

وبعيدا عن التجمع المجري المحلي وعلى بعد حوالي 45 مليون سنة ضوئية وصولا إلى تجمع العذراء المجري، وبالتحديد في المجرة الإهليلجية العملاقةM87 أو NGC4486 تبدو وانها محاطة بحوالي 13,000 تجمع نجمي كروي، وتفيد الدراسات أنه وفي المجرات الإهليلجية الأخرى في هذا التجمع المجري لديهم أيضا تجمعات كروية والتي هي مماثلة لتلك التي في المجرة M87، على الرغم من أن عدد أعضائها من النجوم أصغر بكثير.

النجوم المزدوجة والمتعددة

قد يؤدي تشكيل النجوم إلى تشكيل أنظمة نجمية متعددة، على الاقل كما هو غالب في النظام النجمي الفردي، مثل حال نظامنا الشمسي، إذا كانت كتلة كوكب المشتري اكبر بضعة مرات لأصبح نجما.

فعندما يتكثف نجم جديد من الغازات يدور بشكل سريع، وإذا صادف أن كان تقلص النجم سريعا يمكن أن يؤدي الى إنفصاله إلى زوج من النجوم بدلا من نجم واحد، وقد تتكرر هذه العملية وتنفصل الى الضعف، منتجا نجم ثنائي مضاعف، والأكثر شهرة هو Epsilon Lyrae في برج القيثارة Lyra.

ومن أمثلة تلك العناقيد ......

                                                                                                              WNC 4 (M 40)                     - NGC 6994 (M 73)


تعبيراتتعبيرات